بكاء السماء
بدأت الشمسُ تختفي في السماءِ وراءَ أجنحةٍ من الظلام عن هذا العالم، وبودِّها لم تطلعْ عليه أبدًا؛ لأنّه لم يعرفْ – هذا العالم- بعدُ حقّ العبوديّة لله الذي صوّرَهُ بأروعِ صورةٍ, وحباه بكلّ شيءٍ حتّى يتكاملَ نحو الهدفِ المرسوم له.
ولقد تغطّت بسواد داكن معرضةً بوجهِها عن حياةٍ انغمست في بحرِ لذّاتِها, فلمّا شاهدها الناسُ بهذه الهيئةِ تسارعوا ملبّين نداءَ الحقِّ من أجلِ أنْ تعودَ الشمسُ لسابقِ عهدِها، فازدحمت جوامعُ البلدِ من أجلِ أداءِ فريضةِ خسوفِ الشمسِ حيثُ غصّت الأماكنُ بمَن فيها, وكان باقرُ وأبوه جالسين في زاويةٍ من زوايا جامع حيّهم يَتلون آياتٍ من الذِّكرِ الحكيمِ حتى ارتفعَ النداءُ بالصلاة، فاصطفا كغيرهما من المصلِّين, ووقف الإمامُ في محرابِهِ بكلّ خشوعٍ وتذلّلٍ لله, ثم كبّر تكبيرةَ الإحرامِ ناويًا في قلبه صلاةَ الآياتِ قربةً إلى الله تعالى، فكبّر المصلّون وراءَه, ثم قرأ سورةَ الحمدِ وسورةً أخرى، وكبّر ثم ركع، وقرأ ذِكرَ الرّكوع المعهود، ثم رفع رأسه وقرأ سورةَ الحمد وسورةً أخرى، وكبّر، ثم ركع، وهكذا كرّر ذلك حتى أتمّ خمس ركوعات وخمس قراءات, وبعد انتهائه من الرّكوعِ الخامسِ انتصب واقفًا قائلاً: (سمع الله لمن حمده)، ثم هوى للسجودِ، فسجدَ سجدتين, ثم قام وأتى بالرّكعةِ الثّانيةِ وصنعَ فيها كما كان في الرّكعةِ الأولى من القراءات والرّكوعات, ولمّا انتهى من الرّكوعِ الخامسِ في الرّكعة الثانية قال: (سمع الله لمن حمده)، ثم هوى للسجودِ وسجد سجدتين، ثم جلس فتشهدَ وسلّمَ كالتشهدِ والتسليمِ المعروفين, وبذلك قد أتمّ صلاةَ الخسوفِ، فتوجه النّاس كل واحد إلى شأنه وحاجته, وإذا بباقر وأبيه ينزويان في إحدى زوايا الجامع الذي بدا كبيتِ نحلٍ من قِبل المصلين لِِما يتلونه من قرآنٍ وأدعيةٍ بصوتٍ ملائكي يسبّحُ في أرجاء الجامع العامرِ بالإيمانِ, وانشغلا بالدّعاءِ والذِّكرِ كالآخرين حتى انجلى الخسوفُ عن الشمس، فعادت لإشراقِها من جديدٍ وكأنّها قد أخذت عهدا على هذا العالمِ بأنْ يرسمَ خطاه منذ هذه اللّحظاتِ على عهدٍ جديدٍ من الطاعةِ .
التفت الأستاذ إلى ابنه باقر - وهما في رحابِ الله-، فسأله هل تعلّمت الدرسَ جيدًا اليوم يا بني؟
- نعم يا أبي!
- وهل تستطيعُ أنْ تُعَلِمَها أصدقاءَك ممّن لم يتسنَ له الحضورُ اليومَ لو أراد ذلك؟
- بالطبع!
- كم أنا فخورٌ بك يا بني، فَسِر على بركةِ الله .
ثم توجها إلى منزلهما وباقرٌ ملؤُه الفرحِ والسرورِ ويحذوه المستقبلُ والأملُ باشراقتهما, وراحَ يقولُ لأبيه: شكرًا لك يا أبي على تربيتي التربية الإسلاميّة.
فابتسم الأبُ ابتسامةَ الرضا, وتوجّ بها برنامجَهُ الذي جاء وفقَ ما نشده, وهاهو يقتطفُ الثمارَ, وأيُّ ثمارٍ أروع وأينع من عبادةِ العبدِ لربهِ!
(منقوووووووووووووووووووووووووووول)